فصل: تفسير الآيات (71- 74):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآيات (62- 64):

{وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (62) أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (63) إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64)}
قوله تعالى: {وَقالُوا} يعني أكابر المشركين {ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ} قال ابن عباس: يريدون أصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول أبو جهل: أين بلال أين صهيب أين عمار أولئك في الفردوس وأعجبا لأبي جهل مسكين، أسلم ابنه عكرمة، وابنته جويرية، وأسلمت أمه، وأسلم أخوه، وكفر هو، قال:
ونورا أضاء الأرض شرقا ومغربا ** وموضع رجلي منه أسود مظلم

{أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا} قال مجاهد: أتخذناهم سخريا في الدنيا فأخطأنا {أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ} فلم نعلم مكانهم. قال الحسن: كل ذلك قد فعلوا، اتخذوهم سخريا، وزاغت عنهم أبصارهم في الدنيا محقرة لهم.
وقيل: معنى {أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ} أي أهم معنا في النار فلا نراهم. وكان ابن كثير والأعمش وأبو عمروحمزة والكسائي يقرءون {من الأشرار اتخذناهم} بحذف الألف في الوصل. وكان أبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم وابن عامر يقرءون {أتخذناهم} بقطع الألف على الاستفهام وسقطت ألف الوصل، لأنه قد أستغنى عنها، فمن قرأ بحذف الألف لم يقف على {الْأَشْرارِ} لأن {أَتَّخَذْناهُمْ} حال.
وقال النحاس والسجستاني: هو نعت لرجال. قال ابن الأنباري: وهذا خطأ، لأن النعت لا يكون ماضيا ولا مستقبلا. ومن قرأ: {أتخذناهم} بقطع الألف وقف على {الْأَشْرارِ} قال الفراء: والاستفهام هنا بمعنى التوبيخ والتعجب. {أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ} إذا قرأت بالاستفهام كانت أم للتسوية، وإذا قرأت بغير الاستفهام فهي بمعنى بل. وقرأ أبو جعفر ونافع شيبة والمفضل وهبيرة ويحيى والأعمش وحمزة والكسائي {سِخْرِيًّا} بضم السين. الباقون بالكسر. قال أبو عبيدة: من كسر جعله من الهزء ومن ضم جعله من التسخير. وقد تقدم {إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ} {لَحَقٌّ} خبر إن و{تَخاصُمُ} خبر مبتدإ محذوف بمعنى هو تخاصم. ويجوز أن يكون بدلا من حق. ويجوز أن يكون خبر ابعد خبر. ويجوز أن يكون بدلا من ذلك على الموضع. أي إن تخاصم أهل النار في النار لحق. يعني قولهم: {لا مَرْحَباً بِكُمْ} الآية وشبهه من قول أهل النار.

.تفسير الآيات (65- 70):

{قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70)}
قوله تعالى: {قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ} أي مخوف عقاب الله لمن عصاه وقد تقدم. {وَما مِنْ إِلهٍ} أي معبود {إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ} الذي لا شريك له {رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ} بالرفع على النعت وإن نصبت الأول نصبته. ويجوز رفع الأول ونصب ما بعده على المدح. {والْعَزِيزُ} معناه المنيع الذي لا مثل له. {الْغَفَّارُ} الستار لذنوب خلقه. قوله تعالى: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ} أي وقل لهم يا محمد {هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ} أي ما أنذركم به من الحساب والثواب والعقاب خبر عظيم القدر فلا ينبغي أن يستخف به. قال معناه قتادة. نظيره قوله تعالى: {عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} [النبأ: 2- 1].
وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة: يعني القرآن الذي أنبأكم به خبر جليل.
وقيل: عظيم المنفعة {أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ}. قوله تعالى: {ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ} الملأ الأعلى هم الملائكة في قول ابن عباس والسدي اختصموا في أمر آدم حين خلق ف {قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها} [البقرة: 30] وقال إبليس: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} [الأعراف: 12] وفي هذا بيان أن محمدا صلى الله عله وسلم أخبر عن قصة آدم وغيره، وذلك لا يتصور إلا بتأييد إلهي، فقد قامت المعجزة على صدقه، فما بالهم أعرضوا عن تدبر القرآن ليعرفوا صدقه، ولهذا وصل قوله بقوله: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ}. وقول ثان رواه أبو الأشهب عن الحسن قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «سألني ربي فقال يا محمد فيم اختصم الملأ الأعلى قلت في الكفارات والدرجات قال وما الكفارات قلت المشي على الأقدام إلى الجماعات وإسباغ الوضوء في السبرات والتعقيب في المساجد بانتظار الصلاة بعد الصلاة قال وما الدرجات قلت إفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام» خرجه الترمذي بمعناه عن ابن عباس، وقال فيه حديث غريب. وعن معاذ بن جبل أيضا وقال حديث حسن صحيح. وقد كتبناه بكماله في كتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، وأوضحنا إشكاله والحمد لله. وقد مضى في يس القول في المشي إلى المساجد، وأن الخطا تكفر السيئات، وترفع الدرجات.
وقيل: الملأ الأعلى الملائكة والضمير في {يختصمون} لفرقتين. يعني قول من قال منهم الملائكة بنات الله، ش ومن قال آلهة تعبد.
وقيل: الملأ الأعلى هاهنا قريش، يعني اختصامهم فيما بينهم سرا، فأطلع الله نبيه على ذلك. {إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي إن يوحى إلي إلا الإنذار. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع {إلا إنما} بكسر الهمزة، لأن الوحي قول، كأنه قال: يقال لي إنما أنت نذير مبين، ومن فتحها جعلها في موضع رفع، لأنها اسم ما لم يسم فاعله. قال الفراء: كأنك قلت ما يوحى إلي إلا الإنذار، النحاس: ويجوز أن تكون في موضع نصب بمعنى إلا لأنما. والله أعلم.

.تفسير الآيات (71- 74):

{إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (71) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (74)}
قوله تعالى: {إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ} {إذ} من صلة {يَخْتَصِمُونَ} المعنى، ما كان لي من علم بالملإ الأعلى حين يختصمون حين {قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ}.
وقيل: {إِذْ قالَ} بدل من {إِذْ يَخْتَصِمُونَ} و{يَخْتَصِمُونَ} يتعلق بمحذوف، لأن المعنى ما كان لي من علم بكلام الملأ الأعلى وقت اختصامهم. {فَإِذا سَوَّيْتُهُ} {إذا} ترد الماضي إلى المستقبل، لأنها تشبه حروف الشرط وجوابها كجوابه، أي خلقته. {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} أي من الروح الذي أملكه ولا يملكه غيري. فهذا معنى الإضافة، وقد مضى هذا المعنى مجودا في {النساء} في قوله في عيسى {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171]. {فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ} نصب على الحال. وهذا سجود تحية لا سجود عبادة. وقد مضى في البقرة. {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} أي امتثلوا الأمر وسجدوا له خضوعا له وتعظيما لله بتعظيمه {إِلَّا إِبْلِيسَ} أنف من السجود له جهلا بأن السجود له طاعة لله، والأنفة من طاعة الله استكبارا كفر، ولذلك كان من الكافرين باستكباره عن أمر الله تعالى. وقد مضى الكلام في، هذا في البقرة مستوفى.

.تفسير الآيات (75- 83):

{قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (75) قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ (78) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)}
قوله تعالى: {قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ} أي صرفك وصدك {أَنْ تَسْجُدَ} أي عن أن تسجد {لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} أضاف خلقه إلى نفسه تكريما له، وإن كان خالق كل شيء وهذا كما أضاف إلى نفسه الروح والبيت والناقة والمساجد. فخاطب الناس بما يعرفونه في تعاملهم، فإن الرئيس من المخلوقين لا يباشر شيئا بيده إلا على سبيل الإعظام والتكرم، فذكر اليد هنا بمعنى هذا. قال مجاهد: اليد ها هنا بمعنى التأكيد والصلة، مجازه لما خلقت أنا كقوله: {وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27] أي يبقى ربك.
وقيل: التشبيه في اليد في خلق الله تعالى دليل على أنه ليس بمعنى النعمة والقوة والقدرة، وإنما هما صفتان من صفات ذاته تعالى.
وقيل: أراد باليد القدرة، يقال: مالي بهذا الأمر يد. وما لي بالحمل الثقيل يدان. ويدل عليه أن الخلق لا يقع إلا بالقدرة بالإجماع.
وقال الشاعر:
تحملت من عفراء ما ليس لي به ** لا للجبال الراسيات يدان

وقيل: {لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} لما خلقت بغير واسطة. {أَسْتَكْبَرْتَ} أي عن السجود {أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ} أي المتكبرين على ربك. وقرأ محمد بن صالح عن شبل عن ابن كثير واهل مكة {بيدي استكبرت} موصولة الألف على الخبر وتكون أم منقطعة بمعنى بل مثل: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ} [السجدة: 3] وشبهه. ومن استفهم فأم معادلة لهمزة الاستفهام وهو تقرير وتوبيخ. أي استكبرت بنفسك حين أبيت السجود لآدم، أم كنت من القوم الذين يتكبرون فتكبرت لهذا. قوله تعالى: {قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} قال الفراء: من العرب من يقول أنا أخير منه وأشر منه، وهذا هو الأصل إلا أنه حذف لكثرة الاستعمال. {خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} فضل النار على الطين وهذا جهل منه، لأن الجواهر متجانسة فقاس فأخطأ القياس. وقد مضى في الأعراف بيانه. {قال فاخرج منها} يعني من الجنة {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} أي مرجوم بالكواكب والشهب {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي} أي طردي وإبعادي من رحمتي {إِلى يَوْمِ الدِّينِ} تعريف بإصراره على الكفر لأن اللعن منقطع حينئذ، ثم بدخوله النار يظهر تحقيق اللعن {قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} أراد الملعون ألا يموت فلم يجب إلى ذلك، وأخر إلى وقت معلوم، وهو يوم يموت الخلق فيه، فاخر إليه تهاونا به. {قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين} لما طرده بسبب آدم حلف بعزة الله أنه يضل بني آدم بتزيين الشهوات وإدخال الشبهة عليهم، فمعنى: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ} لأستدعينهم إلى المعاصي وقد علم أنه لا يصل إلا إلى الوسوسة، ولا يفسد إلا من كان لا يصلح لو لم يوسوسه، ولهذا قال: {إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} أي الذي أخلصتهم لعبادتك، وعصمتهم مني. وقد مضى في {الحجر} بيانه.

.تفسير الآيات (84- 88):

{قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)}
قوله تعالى: {قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ} هذه قراءة أهل الحرمين واهل البصرة والكسائي. وقرأ ابن عباس ومجاهد وعاصم والأعمش وحمزة برفع الأول. وأجاز الفراء فيه الخفض. ولا اختلاف في الثاني في أنه منصوب ب {أقول} ونصب الأول على الإغراء أي فاتبعوا الحق واستمعوا الحق، والثاني بإيقاع القول عليه.
وقيل: هو بمعنى أحق الحق أي أفعله. قال أبو علي: الحق الأول منصوب بفعل مضمر أي يحق الله الحق، أو على القسم وحذف حرف الجر، كما تقول: الله لأفعلن، ومجازه: قال فبالحق وهو الله تعالى أقسم بنفسه. {وَالْحَقَّ أَقُولُ} جملة اعترضت بين القسم والمقسم عليه، وهو توكيد القصة، وإذا جعل الحق منصوبا بإضمار فعل كان {لَأَمْلَأَنَّ} على إرادة القسم. وقد أجاز الفراء وأبو عبيدة أن يكون الحق منصوبا بمعنى حقا {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ} وذلك عند جماعة من النحويين خطأ، لا يجوز زيدا لأضربن، لأن ما بعد اللام مقطوع مما قبلها فلا يعمل فيه. والتقدير على قولهما لأملأن جهنم حقا. ومن رفع {فَالْحَقُّ} رفعه بالابتداء، أي فأنا الحق أو الحق مني. رويا جميعا عن مجاهد. ويجوز أن يكون التقدير هذا الحق. وقول ثالث على مذهب سيبويه والفراء أن معنى فالحق لأملأن جهنم بمعنى فالحق أن أملأ جهنم.
وفي الخفض قولان وهي قراءة ابن السميقع وطلحة بن مصرف: أحدهما أنه على حذف حرف القسم. هذا قول الفراء قال كما يقول: الله عز وجل لأفعلن. وقد أجاز مثل هذا سيبويه وغلطه فيه أبو العباس ولم يجز الخفض، لأن حروف الخفض لا تضمر، والقول الآخر أن تكون الفاء بدلا من واو القسم، كما أنشدوا:
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ} أي من نفسك وذريتك {وَمِمَّنْ تَبِعَكَ} من بني آدم {أَجْمَعِينَ}. قوله تعالى: {قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} أي من جعل على تبليغ الوحي وكنى به عن غير مذكور. وقيل هو راجع إلى قوله: {أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا} [ص: 8]. {وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} أي لا أتكلف ولا أتخرص ما لم أومر به.
وروى مسروق عن عبد الله بن مسعود قال:
من سئل عما لم يعلم فليقل لا أعلم ولا يتكلف، فإن قوله لا أعلم علم، وقد قال الله عز وجل لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: {قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}. وعن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «للمتكلف ثلاث علامات ينازع من فوقه ويتعاطى ما لا ينال ويقول ما لا يعلم».
وروى الدارقطني من حديث نافع عن ابن عمر قال: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض أسفاره، فسار ليلا فمروا على رجل جالس عند مقراة له، فقال له عمر: يا صاحب المقراة أولغت السباع الليلة في مقراتك؟ فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «يا صاحب المقراة لا تخبره هذا متكلف لها ما حملت في بطونها ولنا ما بقي شراب وطهور».
وفي الموطإ عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: أن عمر بن الخطاب خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص حتى وردوا حوضا، فقال عمرو بن العاص: يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع؟ فقال عمر: يا صاحب الحوض لا تخبرنا فإنا نرد على السباع وترد علينا. وقد مضى القول في المياه في سورة الفرقان. {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ} يعني القرآن {لِلْعالَمِينَ} من الجن والإنس. {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} أي نبأ الذكر وهو القرآن أنه حق {بَعْدَ حِينٍ} قال قتادة: بعد الموت.
وقال الزجاج.
وقال ابن عباس وعكرمة وابن زيد: يعني يوم القيامة.
وقال الفراء: بعد الموت وقبله. أي لتظهر لكم حقيقة ما أقول: {بَعْدَ حِينٍ} أي في المستأنف أي إذا أخذتكم سيوف المسلمين. قال السدي: وذلك يوم بدر. وكان الحسن يقول: يا ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين. وسيل عكرمة عمن حلف ليصنعن كذا إلى حين. قال: إن من الحين ما لا تدركه كقوله تعالى: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} ومنه ما تدركه، كقوله تعالى: {تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها} [إبراهيم: 25] من صرام النخل إلى طلوعه ستة أشهر. وقد مضى القول في هذا في البقرة و{إبراهيم} والحمد لله.